كتاب الصوم
معنى الصيام لغة ً: الإمساك.
وشرعا ً: هو إمساك بنية عن المفطرات في زمن مخصوص من شخص مخصوص.
وجوب صوم رمضان، وبيان فضل الصيام:
الصيام أحد أركان الإسلام الخمسة، وقد فرض في السنة الثانية من الهجرة، وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات والأصل في فرضيته قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون َ} [البقرة: 183].
وقوله تعالى في آية الصيام: {شَهاستغفر الله العظيم رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة: 185].
عن أبى هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز جل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنه، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل : إني صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه ) متفق عليه. وهذا لفظ رواية البخاري.
وفي رواية لمسلم: (كل عمل ابن آدم يضاعف: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ).
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا اُغلق، فلم يدخل منه أحد ) متفق عليه.
وعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا ) متفق عليه.
حكمة مشروعية الصوم:
شرع الصوم لأمور منها: أن في الصوم قهر النفس وكسر الشهوة، لأن النفس إذا شبعت تطلب الشهوة، وإذا جاعت امتنعت عما تهوى، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: (من استطاع الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) متفق عليه. واللفظ للبخاري. فكان الصوم ذريعة إلى الامتناع عن المعاصي، لأنه إذا انقادت نفسه للامتناع عن الحلال طمعاً في مرضاة الله تعالى وخوفاً من أليم عقابه، فأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام، فكان الصوم سبباً في اتقاء محارم الله تعالى، وإليه وقعت الإشارة بقوله تعالى في آخر آية وجوب الصيام {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون } ومنها: أن الصوم وسيلة إلى شكر النعمة، إذ هو كف النفس عن الأكل والشرب والجماع، وهي من أجل النعم وأعلاها. والامتناع عنها زماناً معتبراً يعرف قدرها، إذ النعم مجهولة فإذا فقدت عرفت، فيحمله ذلك على قضاء حقها بالشكر، وشكر النعمة واجب، وإليه الإشارة في قوله تعالى في آية الصيام: {َلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون } ومنها: اقتضاؤه الرحمة والعطف على المساكين الذين يذوقون ألم الجوع، فإذا ذاق الإنسان ألمه في بعض الأوقات فإنه يذكر من هو ذائقه في جميع الأوقات.
حكمة تخصيص صيام الفرض برمضان:
اختص الصيام بشهر رمضان لأن في ذلك الشهر طلعت شمس الشريعة الإسلامية فأضاءت الوجود، وأزالت ظلمات الشرك والضلال، فقد تضمن شهر رمضان أعظم ذكرى تاريخية بإنزال القرآن الكريم فيه، ولأن فيه ليلة القدر التي خص الله بها هذه الأمة، وجعل العمل فيها خيراً من عبادة ألف شهر. فلهذا الشرف والفضل خصه الله تعالى بالصيام والقيام وتلاوة القرآن، وجعله من أيام إحسانه ورحماته.
حكمة النهي عن صيام بعض الأيام:
00.
وأما صوم الوصال فإنما ورد النهي عنه لأنه يضعف الإنسان عن أداء الفرائض، ويقعده عن السعي والكسب الذي لابد منه.
متى يجب الصوم:
يجب الصوم بأمور:
1. إما برؤية هلال رمضان، لقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه } البقرة:185.
2. أو بإكمال شهر شعبان ثلاثين يوماً إذا لم ير الهلال قبل ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن غُمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ) متفق عليه واللفظ للبخاري.
شروط وجوب الصوم:
وهي أربعة:
1. الإسلام: فلا يصح من كافر.
2. البلوغ: فلا يجب على صغير لعدم تكليفه.
3. العقل: فلا يجب على مجنون لحديث: (رفع القلم عن ثلاثة ) أخرجه النسائي، وصححه الألباني.
4. القدرة على الصوم: فلا يجب على عاجز، لكن من عجز لكبر أو مرض فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً مد بر أو نصف صاع من غيره لقوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية } البقرة:184.
شروط صحة الصوم:
وهي ستة شروط:
1. الإسلام: وهو شرط للصحة كما أنه شرط للوجوب.
2. انقطاع دم الحيض، وهو أن تطهر المرأة وإن لم تغتسل.
3. انقطاع دم النفاس، وإن لم تغتسل المرأة.
4. التمييز: فيصح من المميز لكن لا يجب عليه، أما غير المميز فلا يصح منه.
5. العقل: فلا يصح من مجنون.
6. النية: فلا يصح الصوم بدون نية، فإن كان الصوم فرضاً أو واجباً لزم أن ينوى من الليل (والليل يمتد إلى ما قبل طلوع الفجر ولو بلحظة ) وإلا فلا صيام له، أما في النفل فلا يشترط ذلك، بل يصح بنية من النهار إذا لم يتناول مفطراً.
ركن الصوم:
هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، لقوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } البقرة:187.
سنن الصوم:
1. تعجيل الفطور: لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر ) متفق عليه.
2. تأخير السحور.
3. أكلة السحر مستحبة: لقوله صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة ) متفق عليه.
4. تجنب اللغو والسباب: لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم ) متفق عليه .
5. قوله عند فطره: (ذهب الظمأ وابتلت العروق ووجب الأجر إن شاء الله ) رواه أبو داود، وقال المنذري: حسن صحيح.
6. وإفطاره على رطب، فإن عدم فتمر، فإن عدم فماء للحديث الوارد في ذلك.
المفطرات:
1. لأكل أو الشرب متعمداً، فإن أكل أو شرب ناسياً فلا شيء عليه.
2. خروج دم الحيض والنفاس بإجماع العلماء.
3. الموت: لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ) رواه البخاري.
4. الردة: لقوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك } الزمر:65.
5. القيء متعمداً: وهو مفطر بإجماع العلماء.
6. قطع نية الصوم: وهو مفطر بإجماع العلماء في الصوم الواجب.
7. إنزال المني بتكرار النظر قياساً على الإنزال باللمس، لا بنظرة واحدة ولا بتفكر أو احتلام فلا يفطر.
8. الجماع ولو لم ينزل: وعليه كفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
9. وصول شيء إلى الجوف عن طريق الأنف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: (وبالغ في الإستنشاق إلا أن تكون صائماً ) رواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي: حسن صحيح.
10. استعمال الإبر المغذية.
* ويكره كل ما لم يصل إلى حد الإفطار من المفطرات، كالعبث بالأكل في الفم مما يخشى معه الأكل .
صوم التطوع:
يسن صوم الأيام التالية:
1. أيام البيض: وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر.
لحديث أبي هريرة : (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: وذكر منها صيام ثلاثة أيام من كل شهر ) متفق عليه.
2. صوم الخميس والإثنين لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصومها فسئل عن ذلك فقال: (تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم ) رواه الترمذي وقال: حسن غريب.
3. صيام ستة أيام من شوال: لقوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر ) رواه مسلم.
4. صوم شهر الله المحرم:
لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ) رواه مسلم .
5. وآكده يوم عاشوراء: ومن صامه فهو كفارة سنة من الذنوب، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده ) رواه مسلم.
6. صوم عشر ذي الحجة: لقوله صلى الله عليه وسلم: (مامن أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ) رواه البخاري.
7. وآكدها يوم عرفة: وهو كفارة سنتين لقوله صلى الله عليه وسلم: (صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة ) رواه مسلم.
الأيام التي يكره صيامها:
1. يكره إفراد رجب بالصوم.
2. أو أفراد الجمعة والسبت.
3. وكره صوم يوم الشك.
فتاوى العلماء في الصوم
من فتاوى الشيخ العلاّمة ابن عثيمين حفظه الله:
1. التحليل لا يفسد الصوم.
س: ما حكم من سحب منه دم من يده اليمنى وهو صائم في رمضان، وذلك بغرض التحليل، ومقداره (برواز ) متوسط؟
ج: مثل هذا التحليل لا يفسد الصوم بل يعفى عنه لأنه مما تدعو الحاجة إليه، وليس من جنس المفطرات المعلومة من الشرع المطهر.
2. الحقن في نهار رمضان
س: هل الإبر والحقن العلاجية في نهار رمضان تؤثر على الصيام؟
ج: الإبر العلاجية قسمان: أحدهما ما يقصد به التغذية ويستغنى به عن الأكل والشرب لأنها بمعناه فتكون مفطرة، لأن نصوص الشرع إذا وجد المعنى الذي تشتمل عليه في صورة من الصور حكم على هذه الصورة بحكم ذلك النص. أما القسم الثاني: وهو الإبر التي لا تغذي يعني أي لا يستغني بها عن الأكل والشرب فهذه لا تفطر، لأنه لا يتناولها النص لفظاً ولا معنى، فهي ليست أكلاً ولا شراباً ولا بمعنى الأكل والشرب. والأصل صحة الصيام حتى يثبت ما يفسده بمقتضى الدليل الشرعي.
3. الروائح العطرة في نهار رمضان
س: ما حكم استعمال الصائم للروائح العطرية في نهار رمضان؟
ج: لا بأس أن يستعملها في نهار رمضان وأن يستنشقها، إلا البخور لا يستنشقه لأن له جرماً يصل إلى المعدة وهو الدخان.
4. دواء الغرغرة
س: هل يبطل الصوم باستعمال دواء الغرغرة؟
ج: لا يبطل الصوم إذا كان لم يبتلعه، ولكن لا تفعله إلا إذا دعت الحاجة، ولا تفطر به إذا لم يدخل جوفك شيء منه.
فتوى المجمع الفقهي الإسلامي:
العمل بالرؤية في إثبات الأهلة لا بالحساب الفلكي:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع في دورته الرابعة المنعقدة بمقر الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة ما بين السابع والسابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة 1401هـ. على صورة خطاب الدعوة الإسلامية في سنغافورة المؤرخ في 16شوال 1399هـ. الموافق 8أغسطس 1979م الموجه لسعادة القائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية هناك، والذي يتضمن أنه حصل خلاف بين هذه الجمعية وبين المجلس الإسلامي في سنغافورة في بداية شهر رمضان ونهايته سنة 1399هـ الموافق 1979م، حيث رأت الجمعية ابتداء شهر رمضان وانتهاءه على أساس الرؤية الشرعية وفقاً لعموم الأدلة الشرعية، بينما رأى المجلس الإسلامي في سنغافورة ابتداء ونهاية رمضان المذكور بالحساب الفلكي، معللاً ذلك بقوله (بالنسبة لدول منطقة آسيا حيث كانت سماؤها محجبة بالغمام، وعلى وجه الخصوص سنغافورة، فالأماكن لرؤية الهلال أكثرها محجوبة عن الرؤية، وهذا يعتبر من المعذورات التي لا بد منها، لذا يجب التقدير عن طريق الحساب ).
وبعد أن قام أعضاء مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بدراسة وافية لهذا الموضوع على ضوء النصوص الشرعية قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي تأييده لجمعية الدعوة الإسلامية فيما ذهبت إليه لوضوح الأدلة في ذلك.
كما قرر أنه بالنسبة لهذا الوضع الذي يوجد في أماكن مثل: سنغافورة وبعض مناطق آسيا وغيرها، حيث تكون سماؤها محجوبة بما يمنع الرؤية، فإن للمسلمين في تلك المناطق وما شابهها أن يأخذوا بمن يثقون به من البلاد الإسلامية التي تعتمد على الرؤية البصرية للهلال دون الحساب بأي شكل من الأشكال، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ) متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة، ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ) وما جاء في معناهما من الأحاديث.
مسألة اختلاف المطالع أو توحدها:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
لقد درس المجمع الفقهي الإسلامي مسألة اختلاف المطالع في بناء الرؤية عليها، فرأى أن الإسلام بني على أنه دين يسر وسماحة تقبله الفطرة السليمة والعقول المستقيمة لموافقته للمصالح. ففي مسألة الأهلة ذهب إلى إثباتها بالرؤية البصرية لا على اعتمادها على الحساب كما تشهد به الأدلة الشرعية القاطعة، كما ذهب إلى اعتبار اختلاف المطالع، لما في ذلك من التخفيف على المكلفين، مع كونه هو الذي يقتضيه النظر الصحيح. فما يدعيه القائلون من وجوب الاتحاد في يومي الصوم والإفطار مخالف لما جاء شرعاً وعقلاً. أما شرعاً فقد أورد أئمة الحديث حديث كريب وهو: إن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال: (فقدمت الشام فقضيت حاجتها فاستهل علي شهر رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبدالله بن عباس رضي الله عنهما. ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقلت: أولا نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا. هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه مسلم في صحيحه.
وقد ترجم الإمام النووي على هذا الحديث في شرحه على مسلم بقوله: باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم، وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم. ولم يخرج عن هذا المنهج من أخرج هذا الحديث من أصحاب الكتب الستة: كأبي داود والترمذي والنسائي في تراجمهم له.
وناط الإسلام الصوم والإفطار بالرؤية البصرية دون غيرها، لما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له ). رواه البخاري ومسلم في صحيحهما.
فهذا الحديث علق الحكم بالسبب الذي هو الرؤية، وقد توجد في بلد كمكة والمدينة ولا توجد في بلد آخر، فقد يكون زمانها نهاراً عند آخرين فكيف يؤمرون بالصيام أو الإفطار، وقد قرر العلماء من كل المذاهب أن اختلاف المطالع هو المعتبر عند الأكثر. فقد روى ابن عبد البر الإجماع على أن تراعى الرؤى فيما تباعد من البلدان كخراسان من الأندلس، وأن لكل بلد حكماً يخصه. وكثير من كتب أهل المذاهب الأربعة طافحة بذكر اعتبار اختلاف المطالع للأدلة القائمة من الشريعة بذلك، وتطالعك الكتب الفقهية بما يشفي الغليل.
وأما عقلاً فاختلاف المطالع لا اختلاف لأحد من العلماء فيه لأنه من الأمور المشاهدة التي يحكم بها العقل، فقد توافق الشرع والعقل على ذلك، فهما متفقان على بناء كثير من الأحكام على ذلك، التي منها أوقات الصلاة ومراجعة الواقع تطالعنا بأن اختلاف المطالع من الأمور الواقعية. وعلى ضوء ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي أنه لا حاجة إلى الدعوة إلى توحيد الأهلة والأعياد في العالم الإسلامي، لأن توحيدها لا يكفل وحدتهم كما يتوهمه كثير من المقترحين لتوحيد الأهلة والأعياد. وأن تترك قضية إثبات الهلال إلى دور الإفتاء والقضاء في الدول الإسلامية، لأن ذلك أولى وأجدر بالمصلحة الإسلامية العامة، وأن الذي يكفل توحيد الأمة وجمع كلمتها هو اتفاقهم على العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع شئونهم. والله ولي التوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.